فصل: باب وقت صلاة المغرب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب وقت صلاة المغرب

1 - عن سلمة بن الأكوع‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا النسائي‏.‏

وفي الباب عن جابر عند أحمد وعن زيد بن خالد عند الطبراني وعن أنس عند أحمد وأبي داود وعن رافع بن خديج عند البخاري ومسلم وعن أبي أيوب عند أحمد وأبي داود والحاكم وعن أم حبيبة أشار إليه الترمذي وعن العباس بن عبد المطلب عند ابن ماجه قال الترمذي‏:‏ وحديث العباس قد روي موقوفًا وهو أصح‏.‏

وعن أُبيَّ بن كعب ذكره ابن أبي حاتم في العلل وعن السائب بن يزيد عند أحمد وعن رجل من أسلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عند النسائي والبغوي في معجمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتوارت بالحجاب‏)‏ وقع في صحيح البخاري ‏(‏إذا توارت بالحجاب‏)‏ ولم يجر للشمس ذكر إحالة على فهم السامع وما يعطيه قوة الكلام وهو تفسير للجملة الأولى أعني قوله إذا غربت الشمس‏.‏

والحديث يدل على أن وقت المغرب يدخل عند غروب الشمس وهو مجمع عليه وأن المسارعة بالصلاة في أول وقتها مشروعة‏.‏ وقد اختلف السلف فيها هل هي ذات وقت أو وقتين فقال الشافعي‏:‏ إنه ليس لها إلا وقت واحد وهو أول الوقت هذا هو الذي نص عليه في كتبه القديمة والجديدة ونقل عنه أبو ثور إن لها وقتين الثاني منهما ينتهي إلى مغيب الشفق قال الزعفراني‏:‏ وأنكر هذا القول جمهور الأصحاب ثم اختلف أصحاب الشافعي في المسألة على طريقين‏:‏ أحدهما القطع بأن لها وقتًا فقط والثاني على قولين أحدهما هذا والثاني يمتد إلى مغيب الشفق وله أن يبدأ بالصلاة في كل وقت من هذا الزمان‏.‏

قال النووي‏:‏ وهو الصحيح وقد نقل أبو عيسى الترمذي عن العلماء كافة من الصحابة فمن بعدهم كراهة تأخير المغرب وتمسك القائل بأن لها وقتًا واحدًا بحديث جبريل السابق وقد ذكرنا كيفية الجمع بينه وبين الأحاديث القاضية بأن للمغرب وقتين في باب أول وقت العصر‏.‏

وقد اختلف العلماء بعد اتفاقهم على أن أول وقت المغرب غروب الشمس في العلامة التي يعرف بها الغروب فقيل بسقوط قرص الشمس بكماله وهذا إنما يتم في الصحراء وأما في العمران فلا‏.‏ وقيل برؤية الكوكب الليلي وبه قالت القاسمية واحتجوا بقوله‏:‏ ‏(‏حتى يطلع الشاهد‏)‏ والشاهد النجم أخرجه مسلم والنسائي من حديث أبي بصرة‏.‏ وقيل بل بالإظلام وإليه ذهب زيد بن علي وأبو حنيفة والشافعي وأحمد بن عيسى وعبد اللَّه بن موسى والإمام يحيى لحديث ‏(‏إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم‏)‏ متفق عليه من حديث ابن عمر وعبد اللَّه بن أبي أوفى ولما في حديث جبريل من رواية ابن عباس بلفظ‏:‏ ‏(‏فصلى بي حين وجبت الشمس وأفطر الصائم‏)‏ ولحديث الباب وغير ذلك‏.‏

وأجاب صاحب البحر عن هذه الأدلة بأنها مطلقة وحديث ‏(‏حتى يطلع الشاهد‏)‏ مقيد ورد بأنه ليس من المطلق والمقيد وغايته أن يكون طلوع الشاهد أحد أمارات غروب الشمس على أنه قد قيل إن قوله والشاهد النجم مدرج فإن صح ذلك لم يبعد أن يكون المراد بالشاهد ظلمة الليل ويؤيد ذلك حديث السائب بن يزيد عند أحمد والطبراني مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏لا تزال أمتي على الفطرة ما صلوا المغرب قبل طلوع النجم‏)‏ وحديث أيوب مرفوعًا ‏(‏بادروا بصلاة المغرب قبل طلوع النجم‏)‏ وحديث أنس ورافع بن خديج قال‏:‏ ‏(‏كنا نصلي مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثم نرمي فيرى أحدنا موقع نبله‏)‏ وأما آخر وقت المغرب فذهب الهادي والقاسم وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود إلى أن آخره ذهاب الشفق الأحمر لحديث جبريل وحديث ابن عمرو بن العاص وقد مرا‏.‏

وقال مالك وأبو حنيفة‏:‏ إنه ممتد إلى الفجر وهو أحد قولي الناصر وقد سبق ذكر ما ذهب إليه الشافعي‏.‏

2 - وعن عقبة بن عامر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الحاكم في المستدرك وفي إسناده محمد بن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث وفي الباب عن العباس بن عبد المطلب عند ابن ماجه والحاكم وابن خزيمة في صحيحه بلفظ‏:‏ ‏(‏لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم‏)‏ قال محمد بن يحيى‏:‏ اضطرب الناس في هذا الحديث ببغداد فذهبت أنا وأبو بكر الأعين إلى العوام بن عباد بن العوام فأخرج إلينا أصل أبيه فإذا الحديث فيه‏.‏ وأخرجه أبو بكر البزار من حديث إبراهيم بن موسى عن عباد بن العوام بسنده ثم قال‏:‏ لا يعلمه يروى يعني عن العباس إلا من هذا الوجه ورواه غير واحد عن عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن مرسلًا قال الترمذي‏:‏ وحديث العباس وقد روي عنه موقوفًا وهو أصح‏.‏

قال ابن سيد الناس‏:‏ ومراد البزار بالمرسل هنا الموقوف لأنه متصل الإسناد إلى العباس وذكر الخلال بعد إيراد هذا الحديث قال أبو عبد اللَّه‏:‏ هذا حديث منكر‏.‏

والحديث يدل على استحباب المبادرة بصلاة المغرب وكراهة تأخيرها إلى اشتباك النجوم وقد عكست الروافض القضية فجعلت تأخير صلاة المغرب إلى اشتباك النجوم مستحبًا والحديث يرده‏.‏

قال النووي في شرح مسلم‏:‏ إن تعجيل المغرب عقيب غروب الشمس مجمع عليه قال‏:‏ وقد حكي عن الشيعة فيه شيء لا التفات إليه ولا أصل له وأما الأحاديث الواردة في تأخير المغرب إلى قرب سقوط الشفق فكانت لبيان جواز التأخير وقد سبق إيضاح ذلك لأنها كانت جوابًا للسائل عن الوقت وأحاديث التعجيل المذكورة في هذا الباب وغيره إخبار عن عادة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم المتكررة التي واظب عليها إلا لعذر فالاعتماد عليها‏.‏

3 - وعن مروان بن الحكم قال‏:‏ ‏(‏قال لي زيد بن ثابت ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل وقد سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرأ فيها بطولى الطوليين‏)‏‏.‏

رواه البخاري وأحمد والنسائي‏.‏ وزاد عن عروة طولى الطوليين الأعراف‏.‏ وللنسائي‏:‏ ‏(‏رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرأ فيها بطولى الطوليين المص‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بقصار المفصل‏)‏ قال في الضياء‏:‏ هو من سورة محمد إلى آخر القرآن وذكر في القاموس أقوالًا عشرة من الحجرات إلى آخره قال‏:‏ في الأصح أو من الجاثية أو القتال أو قاف أو الصافات أو الصف أو تبارك أو إنا فتحنا لك أو سبح اسم ربك الأعلى أو الضحى‏.‏

نسب بعض هذه الأقوال إلى من قال بها قال‏:‏ وسمي مفصلًا لكثرة الفصول بين سوره أو لقلة المنسوخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بطولى الطوليين‏)‏ في الفتح الطوليين الأعراف والأنعام في قول وتسميتهما بالطوليين إنما هو لعرف فيهما لا أنهما أطول من غيرهما وفسرهما ابن أبي مليكة بالأعراف والمائدة والأعراف أطول من صاحبتها قال الحافظ‏:‏ إنه حصل الاتفاق على تفسير الطولى بالأعراف‏.‏

والحديث يدل على استحباب التطويل في قراءة المغرب وقد اختلفت حالات النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيها فثبت عند الشيخين من حديث جبير بن مطعم أنه قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور‏)‏ وثبت أنه قرأ في المغرب بالصافات‏.‏ وأنه قرأ فيها بحم الدخان وأنه قرأ بسبح اسم ربك الأعلى وأنه قرأ بالتين والزيتون وأنه قرأ بالمعوذتين وأنه قرأ بالمرسلات وأنه قرأ بقصار المفصل وسيأتي تحقيق ذلك في باب جامع القراءة في الصلاة إن شاء اللَّه تعالى‏.‏

والمصنف ساق الحديث هنا للاستدلال به على امتداد وقت المغرب ولهذا قال وقد سبق بيان امتداد وقتها إلى غروب الشفق في عدة أحاديث انتهى‏.‏ وكذلك استدل الخطابي وغيره بهذا الحديث على امتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق قال الحافظ‏:‏ وفيه نظر لأن من قال إن لها وقتًا واحدًا لم يحده بقراءة معينة بل قالوا لا يجوز تأخيرها عن أول غروب الشمس وله أن يمد القراءة فيها ولو غاب الشفق ثم قال‏:‏ ولا يخفى ما فيه لأن تعمد إخراج بعض الصلاة عن الوقت ممنوع ولو أجزأت فلا يحمل ما ثبت عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم على ذلك‏.‏

 باب تقديم العشاء إذا حضر على تعجيل صلاة المغرب

1 - عن أنس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم‏)‏‏.‏

2 - وعن عائشة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدؤوا بالعشاء‏)‏‏.‏

3 - وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء ولا تعجل حتى تفرغ منه‏)‏‏.‏

متفق عليهن‏.‏ وللبخاري وأبي داود‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر يوضع له الطعام وتقام الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغ وإنه يسمع قراءة الإمام‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حضر العشاء‏)‏ قال في القاموس هو طعام العشي وهو ممدود كسماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فابدؤوا بالعشاء‏)‏ أي بأكله‏.‏

الحديث الأول يدل على وجوب تقديم العشاء على صلاة المغرب إن حضر والحديثان الآخران يدلان على وجوب تقديم العشاء إذا حضر على المغرب وغيرها لما يشعر به تعريف الصلاة من العموم‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ الألف واللام في الصلاة لا ينبغي أن يحمل على الاستغراق ولا على تعريف الماهية بل ينبغي أن يحمل على المغرب بما ورد في بعض الروايات ‏(‏إذا وضع العشاء وأحدكم صائم فابدؤوا به قبل أن تصلوا‏)‏ وهو صحيح‏.‏ وكذلك صح أيضًا ‏(‏فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب‏)‏ انتهى‏.‏

وأنت خبير بأن التنصيص على المغرب لا يقتضي تخصيص عموم الصلاة لما تقرر في الأصول من أن موافق العام لا يخصص به فلا يصلح جعله قرينة لحمل اللام على ما لا عموم فيه ولو سلم عدم العموم لم يسلم عدم الإطلاق وقد تقرر أيضًا في الأصول أن موافق المطلق لا يقتضي التقييد ولو سلمنا ما ذكره باعتبار أحاديث الباب لتأييده بأن لفظ العشاء يخرج صلاة النهار وذلك مانع من حمل اللام على العموم لم يتم له باعتبار حديث ‏(‏لا صلاة بحضرة طعام‏)‏ عند مسلم وغيره‏.‏ ولفظ صلاة نكرة في سياق النفي ولا شك أنها من صيغ العموم‏.‏

ولإطلاق الطعام وعدم تقييده بالعشاء فذكر المغرب من التنصيص على بعض أفراد العام وليس بتخصيص على أن العلة التي ذكرها شراح الحديث للأمر بتقديم العشاء كالنووي وغيره مقتضية لعدم الاختصاص ببعض الصلوات فإنهم قالوا إنها اشتغال القلب بالطعام وذهاب كمال الخشوع في الصلاة عند حضوره والصلوات متساوية الأقدام في هذا وظاهر الأحاديث أنه يقدم العشاء مطلقًا سواء كان محتاجًا إليه أم لا وسواء كان خفيفًا أم لا وسواء خشي فساد الطعام أو لا وخالف الغزالي فزاد قيد خشية فساد الطعام والشافعية فزادوا قيد الاحتياج ومالك فزاد أن يكون الطعام خفيفًا‏.‏

وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر الأحاديث ابن حزم والظاهرية ورواه الترمذي عن أبي بكر وعمر وابن عمر وأحمد وإسحاق‏.‏ ورواه العراقي عن الثوري فقال‏:‏ يجب تقديم الطعام وجزموا ببطلان الصلاة إذا قدمت‏.‏

وذهب الجمهور إلى الكراهة وظاهر الأحاديث أيضًا أنه يقدم الطعام وإن خشي خروج الوقت وإليه ذهب ابن حزم وذكره أبو سعيد المتولي وجهًا لبعض الشافعية‏.‏ وذهب الجمهور إلى أنه إذا ضاق الوقت صلى على حاله محافظة على الوقت ولا يجوز تأخيرها قالوا‏:‏ لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا تفوته لأجله وظاهر قوله ولا تعجل حتى تفرغ أنه يستوفي حاجته من الطعام بكمالها وهو يرد ما ذكره بعض الشافعية من أنه يقتصر على تناول لقمات يكسر بها سورة الجوع‏.‏ قال النووي‏:‏ وهذا الحديث صريح في إبطاله‏.‏

وقد استدل بالأحاديث المذكورة على أن الجماعة ليست بواجبة‏.‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهذا صحيح إن أريد به أن حضور الطعام مع التشوق إليه عذر في ترك الجماعة وإن أريد به الاستدلال على أنها ليست بفرض من غير عذر ولم يصح ذلك انتهى‏.‏ ويؤيده أن ابن حبان وهو من القائلين بوجوب الجماعة جعل حضور الطعام عذرًا في تركها‏.‏

وقد استدل أيضًا بهذه الأحاديث على التوسعة في وقت المغرب وقد تقدم الكلام في ذلك وقد ألحق بالطعام ما يحصل بتأخيره تشويش الخاطر بجامع ذهاب الخشوع الذي هو روح الصلاة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏إذا حضر العشاء ووضع عشاء أحدكم‏)‏ دليل على اعتبار الحضور الحقيقي ومن نظر إلى المعنى من أهل القياس لا يقصر الحكم على الحضور بل يقول به عند وجود المعنى وهو التشوق إلى الطعام ولا شك أن حضور الطعام مؤثر لزيادة الاشتغال به والتطلع إليه ويمكن أن يكون الشارع قد اعتبر هذه الزيادة في تقديم الطعام وقد تقرر في الأصول أن محل النص إذا اشتمل على وصف يمكن أن يكون معتبرًا لم يلغ‏.‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ إنه لا يبعد إلحاق ما كان متيسر الحضور عن قرب بالحاضر‏.‏

 باب جواز الركعتين قبل المغرب

1 - عن أنس قال‏:‏ ‏(‏كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهم كذلك يصلون ركعتين قبل المغرب ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء‏)‏ وفي رواية ‏(‏إلا قليل‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏كنا نصلي على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب فقيل له أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلاهما قال‏:‏ كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا‏)‏ رواه مسلم وأبو داود‏.‏

تقريره صلى اللَّه عليه وسلم لمن رآه يصلي في ذلك الوقت يدل على عدم كراهة الصلاة فيه ولا سيما والفاعل لذلك عدد كثير من الصحابة وفي المسألة مذهبان للسلف استحبهما جماعة من الصحابة والتابعين ومن المتأخرين أحمد وإسحاق ولم يستحبهما الأربعة الخلفاء رضي اللَّه عنهم وآخرون من الصحابة ومالك وأكثر الفقهاء‏.‏ وقال النخعي‏:‏ هما بدعة‏.‏

احتج من قال بالاستحباب بما في هذا الباب من الأحاديث الصحيحة وبما أخرجه ابن حبان من حديث عبد اللَّه بن مغفل‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى قبل المغرب ركعتين‏)‏ فقد ثبتنا عنه صلى اللَّه عليه وسلم قولًا كما سيأتي وفعلًا وتقريرًا واحتج من قال بالكراهة بحديث عقبة بن عامر الذي قد مر ذكره في باب وقت صلاة المغرب وهو يدل على شرعية تعجيلها وفعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب‏.‏

والحق أن الأحاديث الواردة بشرعية الركعتين قبل المغرب مخصصة لعموم أدلة استحباب التعجيل قال النووي‏:‏ وأما قولهم يؤدي إلى تأخير المغرب فهذا خيال منابذ للسنة ولا يلتفت إليه ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها وأما من زعم النسخ فهو مجازف لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا عجزنا عن التأويل والجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ وليس هنا شيء من ذلك انتهى‏.‏ وهذا الاستحباب ما لم تقم الصلاة كسائر النوافل لحديث ‏(‏إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة‏)‏ واعلم أن التعليل للكراهة بتأدية الركعتين إلى تأخير المغرب مشعر بأنه لا خلاف في أنه يستحب لمن كان في المسجد في ذلك الوقت منتظرًا لقيام الجماعة وكان فعله للركعتين لا يؤثر في التأخير كما يقع من الانتظار بعد الآذان للمؤذن حتى ينزل من المنارة ولا ريب أن ترك هذه السنة في ذلك الوقت الذي لا اشتغال فيه بصلاة المغرب ولا بشيء من شروطها مع عدم تأثير فعلها للتأخير من الاستحواذات الشيطانية التي لم ينج منها إلا القليل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شيء‏)‏ التنوين فيه للتعظيم أي لم يكن بينهما شيء كثير ونفي الكثير يقتضي إثبات القليل وبهذا يجمع بين هذه الرواية ورواية قليل‏.‏ وقال ابن المنير‏:‏ يجمع بين الروايتين بحمل النفي المطلق على المبالغة مجازًا والإثبات للقليل على الحقيقة وقد طول الكلام في ذلك الحافظ في الفتح فليرجع إليه‏.‏

2 - وعن عبد اللَّه بن مغفل‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال‏:‏ صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال عند الثالثة‏:‏ لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري وأبو داود‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏بين كل أذانين صلاة بين كل آذانين صلاة ثم قال في الثالثة‏:‏ لمن شاء‏)‏ رواه الجماعة‏.‏

زاد الإسماعيلي في روايته عن القواريري عن عبد الوارث في الرواية الأولى ثلاث مرات وهو موافق لما في رواية البخاري لأنها بلفظ‏:‏ قال في الثالثة وفي رواية لأبي نعيم في المستخرج قالها ثلاثًا ثم قال‏:‏ لمن شاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كراهية أن يتخذها الناس سنة‏)‏ قال المحب الطبري‏:‏ لم يرد نفي استحبابها لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب بل هذا الحديث من أدل الأدلة على استحبابها‏.‏ ومعنى قوله سنة أي شريعة وطريقة لازمة وكأن المراد انحطاط مرتبتها عن رواتب الفرائض ولهذا لم يعدها أكثر الشافعية في الرواتب واستدركها بعضهم وتعقب أنه لم يثبت أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم واظب عليها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بين كل آذانين‏)‏ المراد بالآذنين والإقامة تغليبًا‏.‏ والرواية الأولى من حديث الباب تدل على استحباب هاتين الركعتين بخصوصها والرواية الأخرى بعمومها وقد عرفت الخلاف في ذلك‏.‏

3 - وعن أبي الخير قال‏:‏ ‏(‏أتيت عقبة بن عامر فقلت له‏:‏ ألا أعجبك من أبي تميم يركع ركعتين قبل صلاة المغرب فقال عقبة‏:‏ إنا كنا نفعله على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قلت‏:‏ فما يمنعك الآن قال‏:‏ الشغل‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا أعجبك‏)‏ بضم أوله وتشديد الجيم من التعجيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أبي تميم‏)‏ هو عبد اللَّه بن مالك الجيشاني بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها معجمة تابعي كبير مخضرم أسلم في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد عده جماعة في الصحابة قال الحافظ في الفتح‏:‏ وفيه رد على قول القاضي أبي بكر بن العربي أنه لم يفعلهما أحد بعد الصحابة لأن أبا تميم تابعي وقد فعلهما‏.‏

والحديث يدل على مشروعية صلاة الركعتين قبل المغرب وقد تقدم الكلام على ذلك‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ هذه الصيغة فيها خلاف مذكور في الأصول وعلم الاصطلاح هل لها حكم الرفع وهل تشعر بإطلاع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم على ذلك فليطلب من موضعه‏.‏

4 - وعن أُبيَّ بن كعب قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ يا بلال اجعل بين آذانك وإقامتك نفسًا يفرغ الآكل من طعامه في مهل ويقضي المتوضئ من مهل‏)‏‏.‏

رواه عبد اللَّه بن أحمد في المسند‏.‏

الحديث من رواية أبي الجوزاء عن أُبيَّ بن كعب ولم يسمع منه وقد أخرج نحوه الترمذي من حديث جابر بزيادة‏:‏ ‏(‏والمعتصر إذا دخل لقضاء الحاجة‏)‏ قال الترمذي‏:‏ لا نعرفه إلا من حديث عبد المنعم وإسناده مجهول انتهى‏.‏ وفي إسناده ضعيفان يرويه أحدهما عن الآخر فأولهما عبد المنعم بن نعيم قال البخاري وأبو حاتم وابن حبان‏:‏ منكر الحديث وقال النسائي‏:‏ ليس بثقة‏.‏ وثانيهما يحيى بن مسلم وهو البكاء بصري لم يرضه يحيى بن سعيد‏.‏ وقال أبو زرعة‏:‏ ليس بقوي وقال أبو حاتم‏:‏ شيخ وقال يحيى بن معين‏:‏ ليس بذلك وقال أحمد‏:‏ ليس بثقة وقال النسائي‏:‏ متروك وفيه كلام طويل وله شاهد من حديث أبي هريرة وسلمان أخرجهما أبو الشيخ وكلها واهية‏.‏ قال الحاكم‏:‏ ليس في إسناده مطعون غير عمرو بن فائد‏.‏

قال الحافظ‏:‏ لم يقع إلا في روايته هو ولم يقع في رواية الباقين لكن فيه عبد المنعم صاحب الشفاء وهو كاف في تضعيف الحديث انتهى‏.‏

والحديث يدل على مشروعية الفصل بين الآذان والإقامة وكراهة الموالاة بينهما لما في ذلك من تفويت صلاة الجماعة على كثير من المريدين لها لأن من كان على طعامه أو غير متوضئ حال النداء إذا استمر على أكل الطعام أو توضأ للصلاة فاتته الجماعة أو بعضها بسبب التعجيل وعدم الفصل لا سيما إذا كان مسكنه بعيدًا من مسجد الجماعة فالتراخي بالإقامة نوع من المعاونة على البر والتقوى المندوب إليها‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه تعالى‏:‏ وكل هذه الأخبار تدل على أن للمغرب وقتين وأن السنة أن يفصل بين أذانها وإقامتها بقدر ركعتين انتهى‏.‏

وقد تقدم الكلام على وقت المغرب وأما أن الفصل مقدار ركعتين فلم يثبت وقد ترجم البخاري باب كم بين الآذان والإقامة ولكن لما كان التقدير لم يثبت لم يذكر الحديث قال ابن بطال‏:‏ لا حد لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين‏.‏

 باب في أن تسميتها بالمغرب أولى من تسميتها بالعشاء

1 - عن عبد اللَّه بن مغفل‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب قال‏:‏ والأعراب تقول هي العشاء‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والأعراب تقول هي العشاء‏)‏ لأن العشاء لغة أول ظلام الليل والمعنى النهي عن تسمية المغرب بالعشاء كما تفعل الأعراب فإذا وقعت الموافقة لهم فقد غلبتهم الأعراب عليها إذ من رجع إليه خصمه فقد غلبه وقد اختلف في علة النهي عن ذلك فقيل هي خوف التباس المغرب بالعشاء وقيل العلة الجامعة أن تسميتها بالعشاء مخالفة لأذن اللَّه فإنه سمى الأولى المغرب والثانية العشاء الآخرة وقيل غير ذلك واللَّه أعلم‏.‏

باب وقت صلاة العشاء وفضل تأخيرها مع مراعاة حال الجماعة وبقاء وقتها المختار إلى نصف الليل‏.‏

1 - عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني‏.‏

الحديث قال الدارقطني في الغرائب‏:‏ هو غريب وكل رواته ثقات وقد رواه أيضًا ابن عساكر والبيهقي وصحح وقفه وقد ذكره الحاكم في المدخل وجعله مثالًا لما رفعه المخرجون من الموقوفات‏.‏ وقد أخرج ابن خزيمة في صحيحه عن عبد اللَّه بن عمر مرفوعًا‏:‏ ‏(‏ووقت صلاة المغرب إلى أن يذهب حمرة الشفق‏)‏ قال ابن خزيمة‏:‏ إن صحت هذه اللفظة أغنت عن جميع الروايات لكن تفرد بها محمد بن يزيد‏.‏

قال الحافظ‏:‏ محمد بن يزيد صدوق قال البيهقي‏:‏ روي هذا الحديث عن عمر وعلي وابن عباس وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس وأبي هريرة ولا يصح فيه شيء‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ وهو يدل على وجوب الصلاة بأول الوقت انتهى‏.‏ وفي ذلك خلاف في الأصول مشهور‏.‏

والحديث يدل على صحة قول من قال أن الشفق الحمرة وهم ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وعبادة من الصحابة‏.‏ والقاسم والهادي والمؤيد باللَّه وأبو طالب وزيد بن علي والناصر من أهل البيت‏.‏ والشافعي وابن أبي ليلى والثوري وأبو يوسف ومحمد من الفقهاء‏.‏ والخليل والفراء من أئمة اللغة‏.‏ قال في القاموس‏:‏ الشفق الحمرة ولم يذكر الأبيض وقال أبو حنيفة والأوزاعي والمزني به وقال الباقر‏:‏ بل هو الأبيض واحتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلى غسق الليل‏}‏ ولا غسق قبل ذهاب البياض ورد بأن ذلك ليس بمانع كالنجوم‏.‏

وقال أحمد بن حنبل‏:‏ الأحمر في الصحارى والأبيض في البنيان وذلك قول لا دليل عليه ومن حجج الأولين ما روي عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه صلى العشاء لسقوط القمر لثالثة الشهر أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي‏.‏ قال ابن العربي‏:‏ هو صحيح وصلى قبل غيبوبة الشفق قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي‏:‏ وقد علم كل من له علم بالمطالع والمغارب أن البياض لا يغيب إلا عند ثلث الليل الأول وهو الذي حد عليه السلام خروج أكثر الوقت به فصح يقينًا أن وقتها داخل قبل ثلث الليل الأول بيقين فقد ثبت بالنص أنه داخل قبل مغيب الشفق الذي هو البياض فتبين بذلك يقينًا أن الوقت دخل بالشفق الذي هو الحمرة انتهى‏.‏ وابتداء وقت العشاء مغيب الشفق إجماعًا لما تقدم في حديث جبريل وفي حديث التعليم وهذا الحديث وغير ذلك وأما آخره فسيأتي الخلاف فيه‏.‏

2 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏أعتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ليلة بالعتمة فنادى عمر‏:‏ نام النساء والصبيان فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ ما ينتظرها غيركم ولم تصل يومئذ إلا بالمدينة ثم قال‏:‏ صلوها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏.‏

الحديث رجال إسناده في سنن النسائي رجال الصحيح إلا شيخ النسائي عمرو بن عثمان وهو صدوق‏.‏

والحديث متفق عليه من حديثها بنحو هذا اللفظ‏.‏ وفي الباب عن زيد بن خالد أشار إليه الترمذي‏.‏ وعن ابن عمر عند مسلم وعن معاذ عند أبي داود وعن أبي بكرة رواه الخلال من حديث عبد اللَّه بن أحمد عن أبيه وعن علي عليه السلام عند البزار وعن أبي سعيد وعائشة وأنس وأبي هريرة وجابر بن سمرة وجابر بن عبد اللَّه وسيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أعتم‏)‏ أي دخل في العتمة ومعناه أخرها والعتمة لغة حلب بعد هوى من الليل بعدًا من الصعاليك‏.‏ والمراد بها هنا صلاة العشاء وإنما سميت بذلك لوقوعها في ذلك الوقت‏.‏ وفي القاموس والعتمة محركة ثلث الليل الأول بعد غيبوبة الشفق أو وقت صلاة العشاء الآخرة اهـ‏.‏

وهذا الحديث يدل على استحباب تأخير صلاة العشاء عن أول وقتها وقد اختلف العلماء هل الأفضل تقديمها أم تأخيرها وهما مذهبان مشهوران للسلف وقولان لمالك والشافعي‏.‏ فذهب فريق إلى تفضيل التأخير محتجًا بهذه الأحاديث المذكورة في هذا الباب وذهب فريق آخر إلى تفضيل التقديم محتجًا بأن العادة الغالبة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم هي التقديم وإنما أخرها في أوقات يسيرة لبيان الجواز والشغل والعذر ولو كان تأخيرها أفضل لواظب عليه وإن كان فيه مشقة ورد بأن هذا إنما يتم لو لم يكن منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلا مجرد الفعل لها في ذلك الوقت وهو ممنوع لورود الأقوال كما في حديث ابن عباس وأبي هريرة وعائشة وغير ذلك وفيها تنبيه على أفضلية التأخير وعلى أن ترك المواظبة عليه لما فيه من المشقة كما صرحت بذلك الأحاديث وأفعاله صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا تعارض هذه الأقوال وأما ما ورد من أفضلية أول الوقت على العموم فأحاديث هذا الباب خاصة فيجب بناؤه عليها وهذا لا بد منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم تصل يومئذ إلا بالمدينة‏)‏ أي لم تصل بالهيئة المخصوصة وهي الجماعة إلا بالمدينة ذكر معناه في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيما بين أن يغيب الشفق‏)‏ الخ قد تقدم أن تحديد أول وقت العشاء بغيبوبة الشفق أمر مجمع عليه وإنما وقع الخلاف هل هو الأحمر أو الأبيض وقد سلف ما هو الحق‏.‏

3 - وعن جابر بن سمرة قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يؤخر العشاء الآخرة‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏

4 - وعن عائشة‏:‏ ‏(‏قالت كانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول‏)‏‏.‏

أخرجه البخاري‏.‏

5 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه‏.‏

الحديث الأول يدل على استحباب مطلق التأخير للعشاء وجواز وصفها بالآخرة وأنه لا كراهة في ذلك وقد حكى عن الأصمعي الكراهة‏.‏

والحديث الثاني يدل على استحباب تأخيرها أيضًا وامتداد وقتها إلى ثلث الليل‏.‏

والحديث الثالث فيه التصريح بأن ترك التأخير إنما هو للمشقة وقد تقدم الكلام في ذلك وفيه بيان امتداد الوقت إلى ثلث الليل أو نصفه وقد اختلف أهل العلم في ذلك‏.‏

فذهب عمر بن الخطاب والقاسم والهادي والشافعي وعمر بن عبد العزيز إلى أن آخر وقت العشاء ثلث الليل واحتجوا بحديث جبريل وحديث أبي موسى في التعليم وقد تقدما‏.‏

وفي قول للشافعي أن آخر وقتها نصف الليل واحتج بما تقدم في حديث عبد اللَّه بن عمرو في باب أول وقت العصر وفيه ‏(‏ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل‏)‏ وبحديث أبي هريرة المذكور هنا وبحديث عائشة وأنس وأبي سعيد وستأتي وغير ذلك‏.‏

وهذه الأحاديث المصير إليها متعين لوجوه‏:‏ الأول لاشتمالها على الزيادة وهي مقبولة‏.‏ الثاني اشتمالها على الأقوال والأفعال وتلك أفعال فقط وهي لا تتعارض ولا تعارض الأقوال‏.‏ والثالث كثرة طرقها‏.‏ والرابع كونها في الصحيحين فالحق أن آخر وقت اختيار العشاء نصف الليل وما أجاب به صاحب البحر من أن النصف مجمل فصله خبر جبريل فليس على ما ينبغي‏.‏

وأما وقت الجواز والاضطرار فهو ممتد إلى الفجر لحديث أبي قتادة عند مسلم وفيه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى فإنه ظاهر في امتداد وقت كل صلاة إلى دخول وقت الصلاة الأخرى إلا صلاة الفجر فإنها مخصوصة من هذا العموم بالإجماع‏.‏ وأما حديث عائشة الآتي بلفظ‏:‏ ‏(‏حتى ذهب عامة الليل‏)‏ فهو وإن كان فيه إشعار بامتداد وقت اختيار العشاء إلى ما بعد نصف الليل ولكنه مؤول لما سيأتي‏.‏

6 - وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس نقية والمغرب إذا وجبت الشمس والعشاء أحيانًا يؤخرها وأحيانًا يعجل إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطؤوا أخر والصبح كانوا أو كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصليها بغلس‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالهاجرة‏)‏ هي شدة الحر نصف النهار عقب الزوال سميت بذلك من الهجر وهو الترك لأن الناس يتركون التصرف حينئذ لشدة الحر ويقيلون وقد تقدم تفسيرها بنحو من هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والشمس نقية‏)‏ أي صافية لم تدخلها صفرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا وجبت‏)‏ أي غابت والوجوب السقوط كما سبق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا رآهم اجتمعوا‏)‏ فيه مشروعية ملاحظة أحوال المؤتمين والمبادرة بالصلاة مع اجتماع المصلين لأن انتظارهم بعد الاجتماع ربما كان سببًا لتأذي بعضهم وأما الانتظار قبل الاجتماع فلا بأس به لهذا الحديث ولأنه من باب المعاونة على البر والتقوى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بغلس‏)‏ الغلس محركة ظلمة آخر الليل قاله في القاموس‏.‏

والحديث يدل على استحباب تأخير صلاة العشاء لكن مقيدًا بعدم اجتماع المصلين‏.‏

7 - وعن عائشة‏:‏ ‏(‏قالت أعتم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل حتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى فقال‏:‏ إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي‏)‏‏.‏

رواه مسلم والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أعتم‏)‏ قد تقدم الكلام عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى ذهب عامة الليل‏)‏ قال النووي‏:‏ التأخير المذكور في الأحاديث كله تأخير لم يخرج به عن وقت الاختيار وهو نصف الليل أو ثلث الليل على الخلاف المشهور والمراد بعامة الليل كثير منه وليس المراد أكثره ولا بد من هذا التأويل لقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏إنه لوقتها‏)‏ ولا يجوز أن المراد بهذا القول ما بعد نصف الليل لأنه لم يقل أحد من العلماء أن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل أفضل اهـ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لولا أن أشق على أمتي‏)‏ فيه تصريح بما قدمنا من أن ترك التأخير إنما هو للمشقة‏.‏

والحديث يدل على مشروعية تأخير صلاة العشاء إلى آخر وقت اختيارها وقد تقدم الكلام على ذلك‏.‏

8 - وعن أنس قال‏:‏ ‏(‏أخر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال قد صلى الناس وناموا أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها قال أنس‏:‏ كأني أنظر إلى وبيص خاتمه ليلتئذ‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد صلى الناس‏)‏ أي المعهودون ممن صلى من المسلمين إذ ذاك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبيص خاتمه‏)‏ هو بالباء الموحدة والصاد المهملة البريق‏.‏ والخاتم بكسر التاء وفتحها ويقال أيضًا خاتام وخيتام أربع لغات قاله النووي‏.‏

والحديث يدل على مشروعية تأخير صلاة العشاء والتعليل بقوله‏:‏ ‏(‏أما إنكم‏)‏ الخ يشعر بأن التأخير لذلك قال الخطابي وغيره‏:‏ إنما استحب تأخيرها لتطول مدة الانتظار للصلاة ومنتظر الصلاة في صلاة‏.‏

9 - وعن أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏انتظرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ليلة بصلاة العشاء حتى ذهب نحو من شطر الليل قال‏:‏ فجاء فصلى بنا ثم قال‏:‏ خذوا مقاعدكم فإن الناس قد أخذوا مضاجعهم وإنكم لم تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذي الحاجة لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه من حديثه والنسائي وابن خزيمة وغيرهم وإسناده صحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليلة‏)‏ فيه إشعار بأنه لم يكن يواظب على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شطر الليل‏)‏ الشطر نصف الشيء وجزؤه ومنه حديث الإسراء فوضع شطرها أي بعضها قاله في القاموس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولولا ضعف الضعيف‏)‏ هذا تصريح بأفضلية التأخير لولا ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذي الحاجة‏.‏

والحديث من حجج من قال بأن التأخير أفضل وقد تقدم الخلاف في ذلك‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ قلت قد ثبت تأخيرها إلى شطر الليل عنه عليه السلام قولًا وفعلًا وهو يثبت زيادة على أخبار ثلث الليل والأخذ بالزيادة أولى اهـ‏.‏ وهذا صحيح قد أسلفنا ذكره‏.‏

 باب كراهية النوم قبلها والسمر بعدها إلا في مصلحة

1 - عن أبي برزة الأسلمي‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يستحب أن يؤخر العشاء التي يدعونها العتمة وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

وفي الباب عن عائشة عند ابن حبان وعن أنس أشار إليه الترمذي‏.‏ وعن ابن عباس رواه القاضي أبو الطاهر الدهلي وعن ابن مسعود وسيأتي‏.‏ قال الترمذي‏:‏ وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء ورخص في ذلك بعضهم وقال ابن المبارك‏:‏ أكثر الأحاديث على الكراهة ورخص بعضهم في النوم قبل صلاة العشاء في رمضان‏.‏

قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي‏:‏ وقد كرهه جماعة وأغلظوا فيه منهم ابن عمر وعمر وابن عباس وإليه ذهب مالك ورخص فيه بعضهم منهم علي عليه السلام وأبو موسى وهو مذهب الكوفيين وشرط بعضهم أن يجعل معه من يوقظه لصلاتها وروي عن ابن عمر مثله وإليه ذهب الطحاوي‏.‏ وقال ابن العربي‏:‏ إن ذلك جائز لمن علم من نفسه اليقظة قبل خروج الوقت بعادة أو يكون معه من يوقظه والعلة في الكراهة قبلها لئلا يذهب النوم بصاحبه ويستغرقه فتفوته أو يفوته فضل وقتها المستحب أو يترخص في ذلك الناس فيناموا عن إقامة جماعتها‏.‏

احتج من قال بالكراهة بحديث الباب وما بعده‏.‏

واحتج من قال بالجواز بدون كراهة بما أخرجه البخاري وغيره من حديث عائشة ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أعتم بالعشاء حتى ناداه عمر نام النساء والصبيان‏)‏ ولم ينكر عليهم وبحديث ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم شغل عنها ليلة فأخرها حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظنا ثم خرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ الحديث ولم ينكر عليهم‏.‏ قال ابن سيد الناس‏:‏ وما أرى هذا من هذا الباب ولا نعاسهم في المسجد وهم في انتظار الصلاة من النوم المنهي عنه وإنما هو من السنة التي هي مبادي النوم كما قال‏:‏

وسنان أقصده النعاس فرنقت ** في جفنه سنة وليس بنائم

وقد أشار الحافظ في الفتح إلى الفرق بين هذا النوم والنوم المنهي عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والحديث بعدها‏)‏ سيأتي الخلاف في ذلك‏.‏

2 - وعن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏جدب لنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم السمر بعد العشاء‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه وقال‏:‏ جدب يعني زجرنا عنه نهانا عنه‏.‏

الحديث رجاله في سنن ابن ماجه رجال الصحيح وقد أشار إليه الترمذي وذكره الحافظ ابن سيد الناس في شرح الترمذي ولم يتعقبه بما يوجب ضعفًا‏.‏

وقد أخرج الإمام أحمد والترمذي عن ابن مسعود نحوه من وجه آخر بلفظ‏:‏ ‏(‏لا سمر بعد الصلاة يعني العشاء الآخرة إلا لأحد رجلين مصل أو مسافر‏)‏ ورواه الحافظ ضياء الدين المقدسي في الأحكام من حديث عائشة مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏لا سمر إلا لثلاثة مصل أو مسافر أو عروس‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جدب‏)‏ هو بجيم فدال مهملة مفتوحتين فباء كمع وزنًا ومعنى‏.‏ ومنه سنة مجدبة أي ممنوعة الخير‏.‏

والحديث يدل على كراهة السمر بعد العشاء وسيأتي الخلاف في ذلك‏.‏

3 - وعن عمر قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في الأمر من أمر المسلمين وأنا معه‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي‏.‏

الحديث حسنه الترمذي أيضًا وأخرجه النسائي ورجاله رجال الصحيح وإنما قصر به عن التصحيح الانقطاع الذي فيه بين علقمة وعمر‏.‏

وفي الباب عن عبد اللَّه بن عمر عند البخاري ومسلم وقد ذكرنا لفظه في شرح حديث أبي برزة وعن أوس بن حذيفة أشار إليه الترمذي‏.‏ وعن ابن عباس وسيأتي‏.‏

الحديث استدل به على عدم كراهة السمر بعد العشاء لحاجة قال الترمذي‏:‏ وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد العشاء فكره قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما لا بد منه من الحوائج وأكثر الحديث على الرخصة‏.‏ وهذا الحديث يدل على عدم كراهة السمر بعد العشاء إذا كان لحاجة دينية عامة أو خاصة وحديث أبي برزة وابن مسعود وغيرهما على الكراهة‏.‏ أو طريقة الجمع بينها بأن توجه أحاديث المنع إلى الكلام الذي ليس فيه فائدة تعود على صاحبه وأحاديث الجواز إلى ما فيه فائدة تعود على المتكلم أو يقال دليل كراهة الكلام والسمر بعد العشاء عام مخصص بدليل جواز الكلام والسمر بعدها في الأمور العائدة إلى مصالح المسلمين‏.‏

قال النووي‏:‏ واتفق العلماء على كراهة الحديث بعدها إلا ما كان في خير‏.‏ قيل‏:‏ وعلة الكراهة ما يؤدي إليه السهر من مخافة غلبة النوم آخر الليل عن القيام لصلاة الصبح في جماعة أو الإتيان بها في وقت الفضيلة والاختيار أو القيام للورد من صلاة أو قراءة في حق من عادته ذلك ولا أقل لمن أمن من ذلك من الكسل بالنهار عما يجب من الحقوق فيه والطاعات‏.‏

4 - وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏رقدت في بيت ميمونة ليلة كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عندها لأنظر كيف صلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالليل قال‏:‏ فتحدث النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ساعة ثم رقد‏)‏ وساق الحديث‏.‏

رواه مسلم‏.‏

الحديث استدل به من قال بجواز السمر مطلقًا لأن التحدث الواقع منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يقيد بما فيه طاعة ولا بأس بتقييده بما فيه طاعة جمعًا بين الأدلة كما سبق على أنه يمكن أن يكون وقوع ذلك منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لبيان الجواز وللإشعار بالمنع من حمل الأدلة القاضية بمنع السمر على التحريم ويمكن أن يقال إن العلة التي ذكرناها للكراهة منتفية في حقه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا منه من غلبة النوم وعروض الكسل ويجاب بمنع أمنه من غلبة النوم مسندًا بنومه في الوادي وأما أمنه من عروض الكسل فمسلم إن لم يكن ذلك من الأمور العارضة لطبيعة الإنسان الخارجة عن الاختيار‏.‏